محمد سيف الدولة
نقدم اليوم الحلقة السادسة من هذه السلسلة عن المؤتمرات الصهيوينة من موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية للمفكر الراحل الدكتور عبد الوهاب المسيرى.
المؤتمر الثلاثون:
عُقد فى القدس فى ديسمبر 1982 برئاسة آرييه دولزين
وهو المؤتمر الأول بعد توقيع معاهدة السلام بين الحكومتين المصرية والإسرائيلية، وقد جاء بعد أشهر قليلة من الغزو الصهيوني للبنان وما أسفرت عنه الحرب اللبنانية من تغيُّرات جوهرية في خريطة الصراع العربي الصهيوني. كما صاحب المؤتمر تصاعُد الرفض داخل إسرائيل وخارجها لسياسات حكومة الليكود. وقد تركزت مناقشات المؤتمر حول المشاكل التقليدية للحركة الصهيونية وأهمها مشكلة النزوح والتساقط وإخفاق جهود الدولة والمنظمة الصهيونية في جَلْب المهاجرين اليهود إلى إسرائيل. بالإضافة إلى عدم إقبال الشباب على التعليم اليهودي.
وكالعادة، لم يتوصل المؤتمر إلى تعريف اليهودي ولا تعريف الصهيوني ، وهو ما دفع الكثيرين من أعضاء المؤتمر إلى التعبير عن خيبة أملهم إزاء فشل المؤتمرات الصهيونية المتوالية في مواجهة أيٍّ من المشاكل الملحة للحركة الصهيونية. وبالنسبة للاستيطان، تقدَّم مندوبو الليكود ومزراحي وهتحيا بمشروع قرار ينص على حق الشعب اليهودي في أرض إسرائيل كحق أبدي غير قابل للاعتراض.
واختلف معهم مندوبو المعراخ في تحديد أفضلية مناطق الاستيطان، حيث يرى هؤلاء ضرورة إعطاء الأولوية للتطور الاستيطاني الواسع في المناطق التي لا توجد بها كثافة سكانية كبيرة وفي المناطق التي تشكل أهمية حيوية لأمن إسرائيل.
وكاد المؤتمر أن يسفر عن انشقاق في الحركة الصهيونية عندما حاول الليكود تشكيل اللجنة التنفيذية بدون حركة العمل وهو ما أدَّى إلى تشابك المندوبين بالأيدي والكراسي وتهديد حركة العمل بتعطيل المؤتمر. وتعرَّض المؤتمر لهزة أخرى حين قدَّم المراقب المالي للمنظمة تقريراً اتهم فيه كبار المسئولين بإساءة استخدام الأموال التي يتبرع بها يهود العالم. · وتعرَّض المؤتمر لقضية الفجوة الطائفية بين اليهود الشرقيين واليهود الغربيين في إسرائيل، واتهم اتحاد اليهود الشرقيين كلاًّ من وزير الخارجية ورئيس اللجنة التنفيذية للمنظمة الصهيونية بتجاهل ممثلي الاتحاد عمداً. وقد أعـاد المؤتمر انتخاب دولزين رئيـساً للجــنة التنفيذية للمنظمة.
المؤتمر الحادي والثلاثون:
عقد فى القدس فى ديسمبر 1987.
وقد ناقش المؤتمر كالعادة قضية «تعريف اليهودي» وأصدر قراراً في هذا الصدد بمنح تيارات الديانة اليهودية كافة حقوقاً متساوية وهو قرار بلا معنى.
وناقش المؤتمر أيضاً قضية حدود الدولة ولم يصل إلى أية قرارات في هذا الصدد كالعادة أيضاً.
ولم يتم الموافقة على مشروع القرار الذي قدمته حركة العمل الداعي لإنهاء السيطرة على 1,3 مليون عربي. وحتى بعد تعديله وفوزه بالأغلبية، لم يَصدُر القرار لأن اليمين هدد بالانسحاب.
ومن الواضح أن قادة يهود العالم لم يَعُد لهم أي تأثير على سياسة الحكومة الإسرائيلية.
وأشارت قرارات المؤتمر إلى تدنِّي الهجرة إلى إسرائيل وازدياد النزوح منها.
وطرح البعض مبدأ ثنائية المركزية (أي أن يكون ليهود العالم مركزان، واحد في إسرائيل والثاني في الدياسبورا) بعد فشل برنامج القدس في تحقيق أهدافه. والدلالة العملية لهذا المبدأ هو أن إسرائيل لم تَعُد مركزاً روحياً لليهود كما تدَّعي الحركة الصهيونية بل إن فكرة المركز الروحي نفسها قد أشهرت إفلاسها.
وناقش المؤتمر موضوع الفلاشاه ويهود سوريا. وكان التركيز في القرارات على التربية اليهودية والصهيونية
عكست القرارات أيضاً تمزقاً شديداً، حتى أن البعض ناقش مرة أخرى مبرر استمرار بقاء المنظمة الصهيونية بعد إنجاز هدف إقامة الدولة العبرية.
· وقد عكس المؤتمر الانحسار الأيديولوجي للصهيونية خصوصاً أنه جاء بعد نشوب انتفاضة الشعب الفلسطيني في الأرض العربية المحتلة وانكشاف الأزمة العميقة في الدولة الصهيونية. ومما يجدر ذكره أنه، خلال المؤتمر الحادي والثلاثين، لم تَعُد القوة المهيمنة على حكومة المستوطنين هي نفسها القوة المهيمنة على المنظمة، إذ انتقل ميزان القوى ولأول مرة منذ عام 1948 إلى كتلة تمثل التحالف بين بعض الصهاينة الاستيطانيين وحركة العمل الصهيونية (حزب العمل وحزب مابام وراتس وياحد) من جهة، والحركات الصهيونية العالمية (التوطينية) مثل الكونفدرالية العالمية للصهيونيين المتحدين والحركة الصهيونية الإصلاحية وحركة المحافظين من جهة أخرى، حيث استحوذ هذا التحالف على 308 مندوبين من مجموع 530 مندوباً.
وقد حدث هذا الانقلاب بعد أن شـعر الإصـلاحيون والمحافظون بأن اليمين الصهيوني (الليكود وغيره)، المتحالف مع الأحزاب الدينية، سيعمل على تمرير قانون «من هو اليهودي»، ذلك إلى جانب الاستياء المتراكم من ممارسـات حكومة الليكـود الإسرائيلية نتيجـة سياستها الداخلية والخارجية. وقد انتُخب سيمحا دينيتز رئيساً للجنة التنفيذية للمنظمة خلفاً لآرييه دولزين.
المؤتمر الثاني والثلاثون:
عقد فى القدس فى يوليه 1992
خيَّم على المؤتمر إحساس عميق بأن "المولد الصهيوني" قد أوشـك على الانفضـاض. وأن المنظمـة الصهيونية أصبحت ، "عظاماً جافة" و"هيكلاً بدون وظيفة" (ميزانية المنظمة 49 مليون دولار مقابل ميزانية الوكالة اليهودية التي بلغت 450 مليون دولار).
وقد تساءل مراسل الإذاعة الإسرائيلية: "هل ما زالت هذه المؤسسة قائمة ؟" وقد استُنفد معظم الوقت في تدبير التعيينات في المناصب والصراع على الوظائف رغم أنه كان قد وُوفق على معظمها قبل المؤتمر. وقد لوحظ أن معظم التعيينات تمت على أساس سياسي وليس على أساس الكفاءة ، كما لوحظ أن أعضاء المؤتمر لم يتم انتخابهم إذ تم تعيينهم عن طريق عقد الصفقات. وقد أجمع المراقبون على أن المنظمة تعاني تضخُّم البيروقراطية والإسراف والابتعاد عن الأيديولوجية الصهيونية. وقد فُسِّر ذلك على أساس تعاظم دور المؤسسات الصهيونية غير السياسية في الحركة الصهيونية، وخصوصاً تلك التي تنتمي إلى التيارات الدينية المختلفة.
ورغم الحديث عن ضرورة تشجيع الهجرة، إلا أن ميخائيل تشلينوف (رئيس المنظمة العليا لمهاجري الاتحاد السوفيتي سابقاً "فاعد") لم يُسمَح له بأن يلقي كلمته ، وذلك لأن أعضاء الوفد السوفيتي حضروا باعتبارهم مراقبين ليس لهم حق الانتخاب، وقد انسحب أعضاء الوفد لهذا السبب.