محمد سيف الدولة
نتابع جولتنا مع موسوعة اليهود واليهودية والصهيوينة للمفكر الكبير الدكتور عبد الوهاب المسيري في الذكرى السنوية الأولى لرحيله؛ وذلك فيما يخص المؤتمرات الصهيوينة التي انعقدت على امتداد قرن من الزمان 1897- 1997م، والتي بلغ عددها 33 مؤتمرًا.
وكنا قد تناولنا في الحلقة الأولى، المؤتمرات الستة الأول المنعقدة في الفترة من 1897م حتى 1903م، والتي رأسها تيودور هرتزل قبل وفاته.
واليوم نتناول المؤتمرات المنعقدة في الفترة من 1905م حتى 1921م وعددها ستة مؤتمرات.
المؤتمر السابع
عُقد في بازل في أغسطس 1905م، وانتقلت رئاسة المؤتمر إلى ماكس نوردو بعد وفاة هرتزل، وكانت القضية الأساسية التي طُرحت للنقاش هي مسألة الاستيطان اليهودي خارج فلسطين، وخصوصًا في شرق إفريقيا.
وجاء تقرير اللجنة التي أُوفدت إلى هناك ليفيد بعدم صلاحية المنطقة لهجرة يهودية واسعة، إلا أن بعضَ أعضاء المؤتمر دافع عن ضرورة قبول العرض البريطاني بدون أن تفقد الحركة أطماعها في فلسطين، وسُمِّي أنصار هذا الرأي الذي عبَّر عنه زانجويل باسم "الصهاينة الإقليميين"، غير أن من المُلاحَظ أن غياب هرتزل، واعتراض المستوطنين البريطانيين في شرق إفريقيا على توطين أجانب في إحدى المستعمرات البريطانية، وكذا اعتراض اليهود المندمجين على المشروع، رجَّح إلى حدٍّ بعيد وجهة النظر الرافضة للاستيطان اليهودي خارج فلسطين؛ الأمر الذي جعل أغلبية المؤتمر تُصوِّت ضد هذا المشروع، وهو ما أدَّى إلى انسحاب الإقليميين وتأسيسهم المنظمة الإقليمية العالمية، واستمرت الأغلبية في تأكيد ضرورة الاستيطان في فلسطين.
واكتسب أنصار الصهيونية العملية (الاستيطانية) قوة جديدة من هذا الموقف فتضمنت قرارات المؤتمر أهمية البدء بالاستيطان الزراعي واسع النطاق في فلسطين عن طريق شراء الأراضي من العرب وبناء اقتصاد مستقل لليشوف الاستيطاني داخل فلسطين، وهو أمر يكتسب أهميةً خاصةً في تاريخ الحركة الصهيونية على ضوء حقيقة أنه جاء عقب بداية وصول موجة الهجرة اليهودية الثانية (1904م) إلى فلسطين، وهي الهجرة التي وضعت الأُسس الحقيقية للاستيطان الصهيوني وأسهمت إلى حدٍّ كبير بالاشتراك مع الهجرة الثالثة في تحديد معالمه، وامتدِّ تأثيرهما معًا إلى فلسفة وأبنية الكيان الصهيوني عقب تأسيس الدولة.
المؤتمر الثامن
عُقد في لاهاي في أغسطس 1907م، برئاسة ماكس نوردو، وتركزت المناقشات فيه على برامج الاستيطان وإنشاء المستعمرات الزراعية في فلسطين، ولما كانت المنظمة الصهيونية تفتقر إلى مركز في فلسطين للإشراف على الأنشطة الاستيطانية.
قرر المؤتمر تأسيس "مكتب فلسطين" ليتولى شراء الأراضي ومساعدة المهاجرين اليهود ودعم الاستيطان الزراعي.
كما وافق المؤتمر على تأسيس شركة لشراء واستثمار الأراضي، وهي التي سُجلت- فيما بعد- في بريطانيا باسم "شركة تنمية الأراضي في فلسطين".
المؤتمر التاسع
عُقد في هامبورج في ديسمبر 1909، برئاسة كل من مناحيم أوسيشكين وحاييم وايزمان وناحوم سوكولوف، وهو أول مؤتمر يُعقَد في ألمانيا، وقد أولى اهتمامًا واضحًا لبحث النتائج المترتبة على الثورة التركية بالنسبة لمشاريع الاستيطان اليهودي في فلسطين.
وشهد المؤتمر زيادة ثقل الصهاينة العمليين ورغبتهم في ابتلاع فلسطين دون انتظار توافر الظروف السياسية الدولية المناسبة؛ ولهذا، قرر المؤتمر إنشاء مستوطنات تعاونية مثل الكيبوتس والموشاف.
المؤتمر العاشر
عُقد في بازل في أغسطس 1911م، برئاسة مناحم أوسيشكين، وقد اتضح فيه تمامًا أن المؤتمرات الصهيونية إطار يتسع لوجود الاتجاهات والتيارات الصهيونية كافةً؛ برغم ما يبدو عليها ظاهريًّا من تناقضات، ففي الوقت الذي أكد فيه المؤتمر أن المسألة اليهودية لا يمكن أن تحل إلا بالهجرة إلى فلسطين، وأن المهمةَ الملحةَ للمنظمة الصهيونية العالمية هي تشجيع وتنظيم الهجرة إلى فلسطين، فقد نوقشت أيضًا مسألة إحياء وتدعيم الثقافة العبرية.
المؤتمر الحادي عشر
عُقد في فيينا في سبتمبر 1913م، برئاسة ديفيد ولفسون، وهو آخر المؤتمرات الصهيونية قبل اندلاع الحرب العالمية الأولى.
وقد تمَّت فيه الموافقة بشكلٍ مبدئي على إنشاء جامعة عبرية في القدس، وجاء ذلك تأكيدًا لنفوذ وايزمان المتزايد؛ حيث كان هو وأوسيشكين وبوبر من أبرز دعاة المشروع.
كما أعلن المؤتمر تشجيعه للجهود الرامية لشراء وتنمية الأراضي في فلسطين، كما أصدر المؤتمر قرارًا يتناول الهجرة اليهودية إلى فلسطين كواجبٍ والتزامٍ صهيوني على كلٍّ من يملك القدرة المادية على خلق مصالح اقتصادية ملموسة في فلسطين.
وأشار القرار إلى أن كل يهودي يجب عليه أن يضع مسألة الاستيطان في فلسطين كجزءٍ من برنامج حياته وسعيه لتحقيق مثاليته وكماله الخلقي.
المؤتمر الثاني عشر
عُقد في كارلسباد بتشيكوسلوفاكيا في سبتمبر 1921، برئاسة ناحوم سوكولوف، وهو أول مؤتمر تعقده الحركة الصهيونية بعد نجاحها في استصدار وعد بلفور من بريطانيا عام 1917م واحتلال الجيوش البريطانية لفلسطين؛ الأمر الذي كان موضع ترحيب شديد من المؤتمر باعتباره خطوةً في طريق تحقيق المشروع الصهيوني.
كما تمت أيضًا مناقشة نشاطات الصندوق التأسيسي اليهودي الذي أُنشئ عام 1920م خلال مؤتمر استثنائي للمجلس الصهيوني العام في لندن.
كما قرَّر المؤتمر تأسيس المجلس الاقتصادي المالي ليعمل كهيئة استشارية، وليشرف على المؤسسات الاقتصادية والمالية للحركة الصهيونية.
ونظرًا لازدياد أهمية الدور البريطاني بالنسبة للحركة الصهيونية، فقد قرر المؤتمر أن يكون للمجلس التنفيذي للمنظمة الصهيونية العالمية مقران: أحدهما في لندن، والآخر في القدس.
وقد صدَّق المؤتمر على قرارات مؤتمر لندن الاستثنائي عام 1920م بانتخاب وايزمان رئيسًا للمنظمة الصهيونية، وهكذا حُسم الصراع الذي دار في المؤتمر حول أساليب الاستيطان بين صهاينة الولايات المتحدة بزعـامة لويـس برانديز وصهاينة أوروبا بزعامة وايزمان لصالح وايزمان.