الحياة.. الطيبة ...
لقد ثبت أن زيادة الدخل لا تؤدي بالضرورة إلى حياة طيبة، وأن الإنسان يستطيع أن يحيا حياة كريمة ويحقق معظم احتياجاته دون نقود أو بدخل قليل، وأن العكس يمكن أن يحدث أيضًا إذ تبقى حياة الناس فيها معاناة كبيرة، ونقص في الاحتياجات التنموية مع توفر المال بين الناس والحكومات،
قال : صلى الله عليه وسلم : " من أمسى آمنًا في سربه معافى في بدنه وعنده قوت يومه فقد حاز الدنيا بحذافيرها ".
فالحياة الطيبة هي فن فردي ومجتمعي يستطيع الإنسان بمقتضاه أن يحيا سعيدًا، وقد استطاعت مجتمعات فقيرة أن تحقق لأفرادها المسكن والتعليم والغذاء والأمن دون تكاليف تذكر. وأدى التحديث إلى عجز الناس عن الحصول على هذه الأساسيات رغم الإنفاق الكبير الذي يُبذل؛ ولكنه يأتي في سياق أنظمة معيشية تتطلب تكاليف هائلة حتى يستطيع الإنسان أن يشارك فيها دون معاناة؛ فهي مصممة للأغنياء فقط، ولتحقيق ترف مكلف وغير ضروري !!
كان الناس يبنون بيوتهم بأنفسهم وما زالوا يفعلون ذلك في ريف كثير من الدول، وينتجون غذاءهم بأنفسهم، ويحصلون على جزء كبير من لباسهم، وكانت المجتمعات المحلية تقيم دون معونات خارجية مدارسها ومساجدها ومرافقها الأساسية، وهم بذلك يحققون مستوى متقدمًا في التنمية دون نمو في الدخل، ولا يلاحظ أحد إنتاجهم هذا في قراءات الدخل القومي والناتج المحلي.
فضح جور الأنظمة الإقتصادية الحديثة
وتكشف تقارير التنمية البشرية عن خلل كبير؛ كانت تغطيه أرقام النمو الاقتصادي والدخل المرتفع؛ ولكن القراءة العملية والتنموية للأرقام كشفت عن الفارق الهائل في توزيع الثروات؛ وعن أنها مركزة بأيدي فئة قليلة محدودة، وأن الأغلبية محرومة.
ويتذكر المرء هنا عظمة التوجيه القرآني في توزيع الثروة والمال فقد قال تعالى:
(( حتى لا يكون دولة بين الأغنياء منكم )) (الحشر:7)
كانت الفكرة الأساسية لتقارير التنمية أن نوعية النمو الاقتصادي لا تقل عن أهمية كميته، ولتحقيق التنمية البشرية يجب أن يخلق النمو الاقتصادي فرصًا للعمل، وأن يحد من الفقر، وأن يكون قائمًا على المشاركة، ومتجذرًا ثقافيًّا، ورفيقًا بالبيئة، ويحقق العدالة الاجتماعية.
وعلى مستوى الأفراد والمجتمعات يمكن أن يتحقق الكثير دون موارد إضافية أو باستثمار الموارد المتاحة، ويلاحظ أن الإنفاق يتخذ طابعًا استهلاكيًّا ترفيًّا ويبتعد عن الضروريات ...
وأنفقت الدول في مشروعات التنمية والرفاهة التي أقامتها آلاف الملايين لتوصل الكهرباء والطرق والماء إلى الناس في القرى والأرياف، ولكن هذه المشروعات لم تزد في الإنتاج شيئًا يذكر؛ بل إنها أدت إلى مزيد من الاستهلاك ودمرت أجزاءً كبيرة من موارد الناس وطرق حياتهم ومعيشتهم ...
تستطيع الدول أن تخصص 20% من ميزانياتها والمساعدات الإنمائية الرسمية لأجل الرعاية الصحية والتعليم الأساسي، والصحة الأسرية وتغذية الأطفال وتطعيمهم ولن يؤثر ذلك كثيرًا على موازناتها والتزاماتها، ويمكن للعالم أن يوفر 250 بليون دولار لو خفض الإنفاق العسكري العالمي بنسبة 3% فقط وهو مبلغ يكفي لمكافحة المخدرات، والإيدز، والكوارث الطبيعية، والتلوث البيئي، وسائر القضايا العالمية التي تقلق جميع سكان العالم .